عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت» رواه مسلم 67، وانظر: فتح المجيد، ص 369-370.
يبين الحديث الشريف أن هناك صفتين في الناس -حتى ولو كانوا مسلمين- هما من أعمال الجاهلية، ولا يَسلم منها إلا من سلَّمه الله تعالى، ورزقه علماً، وإيماناً يستضيء به.
وقوله «هما بهم كفر»، المقصود به الكفر الأصغر الذي لا يُخرج من الملة، لأن كلمة الكفر إذا جاءت نكرة فإنه يُرادُ بها الكفر الأصغر، وأما إذا عُرِفَت بالألف واللام فإنه يُراد ُبها الكفر الأكبر.
وهاتان الخصلتان هما:
*الخصلة الأولي: الطعن في الأنساب، أي عيبه وسبّه، ويدخل فيه قول: هذا ليس ابن فلان، مع ثبوت نسبه.
*الخصلة الثانية: النياحة على الميت، أي رفع الصوت بالندب، وتعداد فضائل الميت، وهذا من الجاهلية، وهو كفر لما فيه من التسخط على القدر المنافي للصبر، كقول النائحة: واعضداه، وانصراه، أو ما يفعلونه من أفعال تنافي الصبر، من شق للجيوب، ولطم للخدود، وغيره من الأفعال التي فيها من الجزع ما يخالف أمر الله تعالى.
والصبر -أخي الحبيب- على أقدار الله تعالى وقدَره واجب، والصبر كما عرَّفه ابن القيم رحمه الله: هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي والتسخط، والجوارح عن لطم الخدود، وشق الجيوب، ونحوها -انظر: إعانة المستفيد، ص 80.
واعلم أخي الحبيب أن الصبر قسَّمه العلماء ثلاثة أقسام، وهي:
ـ صبر على طاعة الله، وفعل أوامره، فيؤدي الإنسان ما أمر الله به وإن كان فيه مشقة عليه، وإن كانت نفسه تريد الراحة، فيملك نفسه، ويلزمها بطاعة الله تعالى، لأن الطاعة لابد فيها من تعب.
ـ صبر عن محارم الله، فيتجنب ما نهى الله عنه، والنفس تنازعه تريد المحرمات، فهو يصبر ويحبس نفسه عما حرم الله.
ـ صبر على أقدار الله تعالى المؤلمة، فإن المرء إذا أصابه مرض، أو أصابته مصيبة في ماله، أو ولده، أو في قريبه، فلا بد أن يحمد الله تعالى، ويصبر ولا يجزع، وليبشر بخير -إن فعل ذلك- فإن الله تعالى يرضيه، ويعوضه خيراً مما فقد، فالصبر أمره عظيم، وثوابه جزيل، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠]
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الصابرين، وأن يتوفانا مسلمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد.
المصدر: موقع دعوة الأنبياء.